کد مطلب:187321
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:265
و سلاحه البکاء (17)
ما أكثر الزنزانات فی تلك «الطامورة» زنزانات تشبه كهوفا مهجورة.. أو قبورا استیقظ ساكنوها بعد رقاد طویل.
كانوا ثلاثة.. تفصلهم عن وجه الأرض أشبار..
قال المختار لصاحبیه و قد امتزج صوته برنین السلاسل:
- استعدا للموت.. أشعر بأن یومنا قد دنا.
همس عبدالله بن الحارث:
أجل ان هذا الطاغیة لن یتهیب من قتل الناس جمیعا و كیف یهاب أحدا و قد قتل الحسین؟!
تمتم المختار بأسی:
- الحسین... أیمكن أن یحدث هذا.. أمر فوق التصور.. كیف یجرؤ انسان علی ارتكاب جریمة كهذه؟!
قال میثم و قد كان معتصما بالصمت:
- و لم لا..ألم یقتل قابیل هابیل؟ ألم یحاول فرعون البطش بموسی.. و عیسی عندما أرادوا أن یصلبوه فرفعه الله الیه.. و علی..
[ صفحه 59]
أنسیتم دمه المراق فی المحراب..
كلما اتذكر علیا.. هذا الرجل العظیم.. أزداد احساسا بالحقائق.. و یشتد ایمانی بأن الدنیا لا تساوی جناح بعوضة ما لم یحق الانسان حقا أو یبطل باطلا..
و أردف و كأنه یخترق الجدار الصخری بنظراته:
- أبشرا بالنصر.
همس ابن الحارث بدهشة:
- عن أی نصر تتحدث یا میثم؟ أفی مثل هذه القیود؟!
هز المختار رأسه أسفا:
- لقد انتصرنا یوما ما... أما الآن فقد انتهینا و انتهی كل شی ء.
أجاب صدیق علی و قد تمثلت أمامه نبوءات سمعها ذات یوم:
- كلا یا مختار.. نحن لم ننته و لن ننتهی.. لأننا مع الحق و الحق باق أبد الدهر.
و أردف كأنه ینظر الی صفحات المستقبل:
- ستخرج یا مختار من السجن و ستنتقم لدماء الحسین و تقتل هذا الذی یرید قتلنا و تطأ بقدمیك وجهه.
و سادت صمت مهیب لكلمات قالها علی و هو یستشرق آفاق الزمن القادم.
مضت لحظات كأنها قرون عندما دوت خطی ثقیلة كانت تقترب شیئا فشیئا و یزداد صداها و هی ترتطم بجدران الصخر حتی
[ صفحه 60]
باتت كأنها تغرق العالم.
أدار الحارس الفظ المفتاح فی قفل فانفتح طرف السلسلة و بدا وجهه القاسی فی ضوء المشعل كشیطان.
شق الحارس طریقه و انتزع سجینا محكوما بالموت بغلظة.
هتف المختار و هو یعنی ما یقول:
- الی أین یا میثم؟
- أجاب میثم بهدوء:
- الی جذع نخلة ینتظرنی منذ عشرین سنة.
و أدرك المختار و صاحبه - ان الرجل مصلوب.
و فی قصر بنی علی الظلم..
قال «الأرقط» و هو یصعد النظر بالسجین بازدراء:
- أهذا الأعجمی یكون صدیقا لعلی.
أجاب أحدهم:
أجل.. و لقد كان تمارا یبیع التمر فی السوق.
سأل الأرقط باستخفاف:
- أین ربك؟
أجاب السجین:
- انه بالمرصاد.
- هل أخبرك أبوتراب عن مصیرك؟
[ صفحه 61]
- انی لأعرف النخلة التی سأصلب علیها..
- لأكذبنه.
- أتكذب وصی محمد؟!
صرخ الأرقط بعصبیة:
- أعیدوه الی السجن:
و استدرك و هو یلوح بسوطه:
- بل اصلبوه و الحقوه بأصحاب أبی تراب.
ابتسم السجین و هو یتطلع الی رجل سیسقط رأسه الفارغ عند أقدام الثائرین.
[ صفحه 62]